الأشقاء الذين لا يجدون غضاضة في اضاءة قتامة حياة اليمنين بنيران حرب لا نهائية
يمنات
لطف الصراري
لم تعد مأساة اليمن تذكر في وسائل الإعلام العربية والدولية سوى بالكوليرا على نحو خافت، أو بالتوتر القائم بين “الحوثيين” و”المؤتمريين”. إضافة إلى ذلك، هناك العروض الإخبارية والتحليلات التي تستعجل المواجهة بين الطرفين، من دون أدنى اعتبار لما سيحلّ بأكثر من 15 مليون نسمة، يرزحوا منذ سنتين ونصف، تحت القصف والحصار والجوع والتشرّد والأوبئة القاتلة.
الحديث عن خمسة عشر مليون نسمة في الشمال، لا يعني استثناء أكثر من عشرة ملايين يمني في الجنوب، يرزحون بدورهم تحت رحمة “تحالف عربي دولي” يمدّهم بالمساعدات اللازمة للبقاء، ويستخدم مصطلحات من قبيل “المحافظات المحرّرة”، بينما يمهّد الطريق أمام موجة استعمار جديد. الشمال ليس بمنأى عن هذه الموجة، لكنه إلى ذلك، يكتظ بملايين الجوعى والقانطين؛ يتحاشرون داخل عشر محافظات، تحوّلت بفعل الحصار الدولي وانهيار الخدمات الأساسية وتدمير البنية التحتية، إلى عشر قرى كبيرة، وما لا يحصى من التجمعات السكانية الصغيرة.
عشر قرى تصفر فيها رياح الشتاء الجافة، بينما يخلط فيها الصيف دوي العواصف الرعدية مع دوي غارات الطيران والقذائف العمياء. وفي الأرض، يجرف الصيف أيضاً، سيول الدماء مع مياه المطر إلى قنوات الصرف الصحي. إنه وضع مثالي لحياة مجهرية لا ترى بالعين المجرّدة، حيث يجد الإنسان نفسه محصوراً بين خيارين: موت شريف، طال الوقت أو قصر، أو حياة طفيلية تعتاش على الأوحال والأوبئة. خياران لا ثالث لهما سوى إيقاف هذه الحرب العابثة والبدء بإصلاح ما أفسدته. أما ابتكار فصول جديدة لاستمرارها، فهو لا يعني سوى الإيغال في إبادة شعب بأكمله أو تحويله إلى كائنات غير مرئية، وإصابة العالم بالمزيد من العمى والصمم.
لم يخل العالم بعد من نشطاء السلام والمناضلين لأجل حق الإنسان في الحياة، غير أن هؤلاء لا تسمع أصواتهم ما لم تكن في إطار منظمات معروفة ومعترف بها؛ منظمات لا تكف عن تكرار النداءات الإنسانية لقادة المجتمع الدولي بتوفير الغذاء والدواء وغيرها من الاحتياجات الأساسية للمدنيين في مناطق الحرب، لكنها في الوقت نفسه، لا ترفع صوتها بتكرار مماثل لمناهضة سياسات الدول القائمة على الحرب، وعلى إثارة أسبابها بين الشعوب متعددة الأعراق والطوائف. منظمات تعمل وفق قانون دولي يعتبر الحرب حقاً مكتسباً للدول، ومواثيق دولية لا تجرم الحرب بقدر ما تعمل على تنظيمها بضوابط هشة لا يجد رؤساء الدول وقادة الجيوش صعوبة بالغة في تجاوزها.
إذا كان العالم لا يرى مأساة اليمنيين لأنه صار في حالة حرب، فما الذي يمنع اندلاعها من شبه الجزيرة الكورية هذه المرة! هل يرغب ترامب في فرض استسلام مذل على دولة آسيوية أخرى؟ هذا لن يتحقق من دون حرب، وستكون هذه حرب أمريكا بدرجة أساسية. إذ من السخف الاعتقاد بأن اليابانيين قد نسوا استسلامهم المذل إلى درجة شن حرب بالوكالة لمجرّد استغلال عداءها الشعوبي مع الصين. هم ليسوا عرباً، ويعرفون أن تلك حرب أمريكا مع الامبراطور المتهوّر، المحاط بالدببة والتنانين والفيَلَة. حربها التي تتوخى فيها الحذر بصورة تبدو معكوسة تماماً لما تفعله في حربها في اليمن. اليمن المحاط بأشقاء لا يجدون غضاضة في تحويل قتامة الحياة فيه إلى ظلام حالك أو إضاءته بنيران حرب لا نهائية. هذه هي المأساة التي لا يمكن أن تُرى بشاعتها من الخارج.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا